مذكرات طفلة يتيمة

امسكت القلم لاكتب واعبر عما بداخلي .... فبكى القلم قبل ان تبكي عيوني...
سبحان من كتب لكل انسان حياته ! نعم سبحان الله! الذي كتب على طفله بريئه صرخت اول صرخة لها في الدنيا وهي يتيمة الام, فمات والدها بعد ذلك قهرا وحزنا على على امها , فاصبحت يتيمة الابوين ... فانه ما من مصاب افجع على قلوب البشر من فقد الابوين......
فالطفله عندما كبرت وفتحت عينيها على الدنيا صعقت بخبر موت والديها هذا ... اترون هذه الطفله؟.. انها انا ! .. نعم وهم اهلي انا!.... انا التي تربيت بين عائله لا صلة لي بهم ولا قرابه ...ان هذه الطفله الكئيبه التعيسه الحزينه الشاحبه التي تيتمت عندما صرخت اول صرخه لها في هذا العالم الموحش هي انا ! فعندما كبرت وترعرعت بين افراد اسره متواضعه في القريه المجاوره لقريتي ...وبعدما اعتقدت انهم اهلي ,وكنت قد بلغت ال15 من العمر ادركت انهم ليسوا اهلي الحقيقيون ,بل هم تبنوني عندما كنت قد بلغت اليومين,فما كان منهم الا ان ياخذوني شفقة لحالي... ويومها عندما اخبروني بذلك ,صعقت وذهلت لدى سماعي به... ولكن في نهاية الامر ما كان مني الا تقبل هذا النبئ المفجع...
في العام الثاني وقت موسم الحج ذهب ابواي(بالتبني) للحج .....ولكني لم اكن مطمئنه لهذه الرحله!....
ففي يوم من ايام الحج ...جائنا ضيوف وانتابني القلق من تعابير وجوههم القلقه والحائره ,فسالناهم بسرعه عن سبب هذه الزياره ,ويا ليتنا لم نسال !.....
ألِعقل فتاة مثلي ممكن ان يستوعب خبر صاعق كهذا؟ ألِقلب مراهقه مثلي ممكن ان يتلقى الطعنات الجارحه بسهوله؟ ألِجسد طفله مثلي ممكن ان يتصدى لصدمات ولكمات قاسيه؟ ألِروح انسانه مثلي ممكن ان تتحمل عذاب قاتل كهذا؟ ألِكيان يتيمة مثلي ممكن ان نطفئ النار المضرمه في صدرها؟..
"هذا غير صحيح", صرخت في وجوه زائرينا ,"انتم تكذبون ,كلكم كاذبون ,لقد ودعت امي وابي وهم ذاهبان للحج ألا تفهموا ,اهلي لم يموتا ولن يموتا ,سيبقيان معي ,هما وعداني بألا يتركاني أبدا". وأخذت العبارات تنهمر من محجرتاي بغزاره ,كشلال فتح له سد قاطع...
نعم هذا ما قد حدث مع اهلي,لقد تركانا وذهبا, صعدا للسماء بلا عوده ,وليتني صعدت معهم , يا لسخرية القدر !......... يكفي ايها القدر ,ألم يكفيك أن تعذبني وتصفعني وتجرحني وتطعنني لمره واحده بأنك يتمتني بعد اول صرخة لي في هذه الدنيا ....ألم تكتف وها انت تطعنني مره اخرى ,بأنك يتمتني للمره الثانيه ,فتأخذ الذان أمطراني بسخائهم وكرمهم ,وغمراني بالعطف والحنان ,أهذه هي لعبتك ,بأن تأخذ الانسان للمره الاولى وتطعنه قدر ما تشاء ,فأذا بك ترميه بعيدا في عالم موحش بائس بين الظلام الدامس ,فتأخذه للمره الثانيه وتطعنه بطعنات اقوى من المره الاولى ,وترميه في مكان معزول ابشع من المكان الذي قبل!... قتلتني ايها القدر !,هزمتني, لقد ربحت اللعبه ,هيا خذني الان ,واطعن بقلبي كما تشاء ...حتى الموت ان اردت ,فلم أعد اهتم هنيئا لك!...
وبعد أغمائتي الطويله ,أستفقت أنظر لأفراد عائلتي اللذين ليس أقل مني بصدمه ,وأخبروني بأنهم سيذهبون بالمساء لأحضار جثث الغاليين ,وانا قررت الذهاب معهم ,ويا ليتني لم أذهب ...
فعندما وصلت للغرفه اللتي وضع فيها الجثث للحجاج ,قصدت حيث جثتا أهلي "رحمهم الله" ,لكن عندما رأيت أهلي بهذا المنظر ,صعقت وذهلت وبدأت أصرخ كالمجنونه ,بلا وعي ,لا أسمع , فقط أصرخ ودموعي تنهمر .. لا أرى ,فقط أصرخ ويداي ترتجف ...فرميت بجسدي على حضنيهما وكانا باردين برود الرياح المثلجة في القطب الجنوبي , جامدين جمود الجبال الجليديه ,خاليين م أي دفئ أي اهتمام واي معنى...
لا,لا يمكن لعقلي ترجمة هذا المنظر كما لا يمكنه استيعاب هذا الموقف ..,. المقطع للقلوب .. ان قلبي الصغير لم يعد ان يحتمل كل هذا ... هل هناك هواء, انني اختنق ...هل النيران مشتعله, انني احترق ...هل البرد قارص, انني ارتجف...... رحمتك يا رب ! اين الشفقه والرحمه ,لم أعد احتمل ... ففررت هاربه ,هاربه من كل شيئ في الدنيا ,من الواقع ...من القدر ... من الحياه ... من الغرفه ... من المكان , لا أعرف الى اين ولكن بعيد هن هذا المنظر.............................. فأنه ما من مصاب أفجع على قلوب البشر من فقد الابوين ...........
من مذكراتي....الطفله اليتيمه

اتمنى انه عجبكم..........لا تنسوا الردود والانتقادات .............