منتديات مدرسة الاميرة تغريد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى عام
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 رسالة هاتفية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أمير الحب
Admin
أمير الحب


عدد المساهمات : 66
تاريخ التسجيل : 30/03/2009
العمر : 37

رسالة هاتفية Empty
مُساهمةموضوع: رسالة هاتفية   رسالة هاتفية I_icon_minitimeالإثنين مارس 30, 2009 5:22 pm

رسالة هاتفية



منذ أسبوعين، وفي كلّ ليلة، وفي الساعة ذاتها، الساعة الثامنة مساء، وقبل أن يتناول طعام العشاء، تنطلق الإشارة الصوتية من هاتفه المحمول. يتناول الهاتف، يُلقي نظرة على شاشته الصغيرة، يلمح عبارة " رسالة، أتقرأها؟"، يضغط بإصبعه على زر "نعم"، فتظهر الرسالة مكتوبة على الشاشة الصغيرة:
" أحبّكَ حتى الموت. أضمكَ إلى قلبي بحرارة. ألثم يديك."

لا تحمل الرسالة توقيعاً. ولكنها لا تحتاج لاسم المُرسلة. لا ضرورة لتحميل الشاشة الصغيرة مزيداً من الكلمات، فهو يعرف مَن المرسلة. لا أحد سواها.

ثم يظهر على الشاشة الصغيرة السؤال: " أتجيب؟" يمتد إصبعه إلى زر " نعم" بصورة تلقائية، ولكنه يتردد قبل أن يضغط على الزر، وكأنه تذكر شيئاً، فيتحوّل إصبعه إلى زر " لا "، فيضغط عليه، ويلقي بالهاتف المحمول جانباً.

ينظر إلى الطعام الموضوع أمامه على المائدة ، ولا يمدّ يده إليه. ينهض متكاسلاً، ويعيده إلى الثلاجة.

يرجع إلى مقعده، يتناول كتاباً من الرفّ القريب إليه. يأخذ في القراءة. وبعد أن يطالع صفحة أو صفحتين، يتبين له أنه لم يستوعب حرفاً واحداً مما قرأ. يغلق الكتاب ويعيده إلى الرفّ.

وبآلة التحكم عن بُعد، يفتح جهاز التلفزيون. يقلّب عدداً من الفضائيات، ولكنه لا يستقر على واحدة منها. لا شيء يستحق المشاهدة، أو بالأحرى، لا شيء يثير اهتمامه، فيطفئ الجهاز.

يقوم من مكانه، يجلس إلى مكتبه، يتناول دفتراً وقلماً، ويحاول أن يكتب شيئاً. يسطّر بعض الكلمات، يعيد قراءتها ثم يشطب عليها. وبعد وقت قصير، يقطع الورقة من الدفتر، يمزِّقها ويُلقي بها في سلة المهملات.

ينهض عائداً إلى مقعده، يتوقف أمام المرآة المعلقة على الحائط، يحدّق فيها هنيهة، يعتريه شعور غريب. وجهه لم يعد وجهه. عينان غائرتان وتبدو حمرة واضحة في موقَيهما، خدان شاحبان، وشفتان يابستان متشققتان مثل أرض مُجدبة. أهذا وجهي؟

يجلس في مقعده، ينظر إلى البحر عبر النافذة الواسعة، ولكنه لا يرى أمواج البحر الذي دثّره الليلُ بالظلام. يصغي إلى هدير البحر، بيد أنه لا يسمع شيئا. كلّ ما يسمعه تلك الكلمات التي تصكّ أُذنيه، تلك الكلمات التي ظلّت تبذر اللوعة في أعماق نفسه، الكلمات التي نطقت بها هي في لقائهما الأخير. تطنّ تلك الكلمات في أذنيه، تحاصره، تؤلمه، تخزه مثل الإبر في أكثر المواضع إحساساً. تتكرر تلك الكلمات في خاطره كاسطوانة عالقة، ويسمعها بأذنيه عالية مدوية. حفظها كلمة كلمة، لم يتغير فيها شيء. أصبحت مخطوطة على شغاف القلب، ومحفورة في أقصى حنايا الروح، تماما كما قالتها هي في لقائهما الأخير. ما تزال تلك الكلمات تحتفظ، حتى هذه الساعة، بتنغيمها وتقطيعها وحتى بحة الصوت التي رافقتها. مرّ عليها سنتان وما زالت تحتفظ برنتها ووضوحها وتوهجها وحرقتها.

ويظلّ يلوم نفسه. كيف سكتَ ولم يقل شيئاً؟ لم يردّ عليها، لم يسأل عن السبب، لم يناقشها، لم يعترض، لم يحتج. ظل صامتاً كالأخرس. بل الأسوأ من ذلك أنه قطع لها وعداً وألزم نفسه به. أذعن لها ووعدها بتلبية طلبها حتى وإن لم يَفُه بكلمة.

الآن، الآن فقط تتوارد على ذهنه عشرات الردود المنطقية. الآن تزدحم على طرف لسانه عدة حجج معقولة، لا يمكن لأحد أن يجادل في أحقيتها. أما عندما نطقت هي بعباراتها تلك، هرب منه الكلام، وانطبقت شفتاه، ولم يتحرك لسانه بين فكيه بل ظلّ مثل قطعة جلد يابسة، وبقي هو ساكنا ساكتاً، كأنما ضربته السكينة. لماذا يُصاب بالخرس عندما ينبغي عليه أن يتكلم وينطق بما يفكر فيه ويعبّر عما يُحس به؟ ولماذا يُلمّ به الهذر عندما يجب عليه أن يسكت وينصت للآخرين؟ لماذا؟ وكيف تجتمع جميع هذه التناقضات في شخص واحد؟ يريد الشيء ولا يأبه لوجوده. ويعطش فيجد الماء الزلال ولكنه يشيح بوجهه عنه؟ كيف يمكن له أن يريد ولا يريد في الوقت نفسه؟ وهل يمكن أن تجتمع كل تلك المتناقضات في نفس واحدة؟ كيف يظل صامتا كالأخرس عندما يتحتم عليه أن يتكلم، يناقش، يرفض، يحتج، ويصرخ بأعلى صوته؟

يتوقف عن التفكير بعض الوقت ثم يأخذ في الدفاع عن نفسه كما لو كان قد أشبعها لوماً وتقريعا وقد آن الأوان ليجد لها العذر. نعم، لم يكن بوسعه أن يقول شيئاً. ولا يظن أن أحداً في مكانه كان يتسنى له الكلام. ومَن يستطيع أن ينطق في ذلك الموقف.

في لقائهما الأخير، كانت الدموع تترقرق في أغوار عينيها. وكانت تتكلم بصورة متقطعة وبكلمات مختنقة. فكان يستمع إلى توسلاتها ويظل صامتاً، لأن ما كانت تطلبه كان قاسيا حقاً، في منتهى القسوة. ولكنها كانت مقتنعة بما تطلب، جادة في تحقيقه.

كانت تمسك يده اليمنى بكلتا يديها المرتجفتين، وراحت دموعها تتحدر على خديها مختلطة بالكحل. وانسدلت خصلات شعرها الطويل مبعثرة على جيدها وكتفيها. وأخذت ترفع يده بكلتا يديها وتمررها على وجهها. فيحس بحرارة الدمع تتسرب إلى أصابعه.

كانت دمعة واحدة منها تكفي لجعله يقرّ لها بما تقول، يعتقد بما تعتقد حتى لو كان وهماً بيّناً، ويصدِّق ما تسمع أذنيه من كلامها حتى لو كذبته عيناه، ويقبل بما لا يرضى به، ويسبح ضد التيار.

في تلك اللحظات ظلت تردد متوسلة:
ـ أرجوك، ساعدني على فراقكَ.
صمت ولم يفه بشيء:
ـ أتوسل إليك، أعنّي على الرحيل؟ سأحترق إن لم أرحل؟
صمتَ ولم ينطق بحرف.
وظلت تردد باكية: أرجوك أرجوك أرجوك.

وعادت تقول وصوتها تخنقه دموعها ويقطّعه نحيبها:
ـ حتى إذا مزقني الحنين، وضعفتُ، واتصلتُ بك، لا تُجبني أبداً. أتعدني بذلك؟
صمت ولم يتكلم. لم يكن بإمكانه أن يتكلم. فعادت تكرر متوسلة:
ـ أتعدني. لن تتصل بي. ولن تجبني إذا اتصلت بكَ. عدني بذلك. عدني. أرجوك، أرجوك.
لم يحتمل أن يراها تبكي. لم يستطع رؤية دموعها. ولم يحتمل أن يسمعها تتوسل. في تلك اللحظة، فَقَدَ قدرته على التفكير، فقد سيطرته على حواسه، لم يشعر بأي شيء، كما لو كان منفصلا عن كيانه وعن الوجود كله، كما لو كانت توسلاتها ضربة قوية على مؤخرة رأسه، أفقدته الوعي. كانت توسلاتها تطن في أذنيه، تؤلمه، تعذبه بما لا روحه المنهكة، كان يريد أن يتخلص من هذا العذاب الذي لا يطاق. كان مستعدا أن يفعل أي شيء ليضع نهاية له.

في تلك اللحظة، وفي دوامة الألم التي كانت تجتاح رأسه وقلبه، ومن دون أن يدري، هزّ رأسه أي نعم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
رسالة هاتفية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» رسالة عيد الحُب من فتاة فلسطينية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات مدرسة الاميرة تغريد :: منتديات عامة :: اقلام حرة-
انتقل الى: